الفرق بين قارئ النت وقارئ الكتب

في أحد النقاشات المثرية قبل سنوات مع صديقي الكاتب والمدون يونس عمارة، تطرقنا إلى موضوع مثير للاهتمام: الفرق بين قارئ النت وقارئ الكتب التقليدي، أو كما يعرفهم البعض القارئ القديم والقارئ الحديث أو الجديد.

وفي خضم ذلك ذكر يونس جملة جميلة وهي: قارئ النت ليس بقارئ المنفلوطي. وقد أضاء هذا النقاش على جوانب متعددة تميز بين هذين النوعين من القراء، وكشف الفروق الجوهرية في التجربة القرائية لكل منهما.

قارئ النت: التشتت والتركيز القصير

قارئ النت اليوم هو شخص يعيش في عالم مليء بالتشتت. شخص يمتلك 34 تاب مفتوحة في متصفحه و345 إشعار على هاتفه الذكي. وتتراوح أغلب اهتماماته بين مقالات قصيرة، تغريدات، فيديوهات قصيرة، وصور على وسائل التواصل الاجتماعي. هذه البيئة تجعل من الصعب على قارئ النت التركيز لفترات طويلة، إذ إن كل إشعار أو تنبيه قد يقطع سلسلة أفكاره وينقله إلى موضوع آخر.

وقد تصادف بعض التعليقات الحانقة من طول المحتوى (رغم قصره) بإن عليك أن تختصر أو وصلت إلى السطر الثاني وسأكمل القراءة فيما بعد من باب التهكم على الطول.

ويعد البحث عن المعلومات والوصول إليها بسرعة هما من أبرز سمات هذا القارئ، لكن هذا يأتي على حساب العمق والتركيز.

قارئ الكتب: التركيز والعمق

على الجانب الآخر، نجد قارئ الكتب التقليدي الذي اعتاد قراءة المجلدات والكتب الطويلة ويعتبر قراءتها رحلة عبر الزمن وغوص في عقل كاتبها.

هذا القارئ يتميز بقدرة عالية على التركيز لفترات طويلة، ويستمتع بالغوص في أعماق النصوص واستكشاف الأفكار بشكل مفصل ومعمق. القراءة بالنسبة له ليست مجرد وسيلة لجمع المعلومات بسرعة، بل هي رحلة استكشافية تتطلب الصبر والتمعن.

قارئ الكتب يقدر التفاصيل، ويستمتع بالبنية السردية والأفكار المعقدة التي تستغرق وقتًا لفهمها واستيعابها.

تكييف المحتوى مع البيرسونا: فن الكتابة الموجهة

وهنا أنارت في ذهني لمبة عندما تحدثنا عن كيفية استغلال كاتب المحتوى والكوبيرايتر لنصوصهم لتتناسب مع هذه الخصائص والشخصيات (البيرسونات) المختلفة.

فمثلاً، عندما نكتب لموقع إلكتروني يهدف لجذب الشباب المهتمين بالتكنولوجيا، يجب أن تكون النصوص سريعة الإيقاع، مليئة بالمعلومات الحديثة والمختصرة، ومصحوبة بروابط وصور تفاعلية.

بينما عند كتابة محتوى لموقع يعنى بالأدب أو رواده من محبي القراءة، يجب أن تكون اللغة متأنية، ثرية بالتفاصيل، وتدعو للتفكير العميق. هذه القدرة على التكيف مع البيرسونا المستهدفة تعتبر فنًا في حد ذاته، وتحتاج لفهم عميق لاهتمامات الجمهور وسلوكياته. على سبيل المثال، عند كتابة محتوى لموقع يسوق منتجات رياضية، يمكن أن نستخدم لغة مليئة بالحماس والتشجيع، مع التركيز على فوائد المنتجات في تحسين الأداء الرياضي.

وفي حال رغبتك بمحتوى مقنع واحترافي وموجه إلى عميلك بدقة، لا تتردد بالتواصل معنا لنتعاون على استهدافه 

هل يفضل قارئ النت القراءة الطويلة؟

على الرغم من التوجه العام نحو المحتوى القصير والمختصر على الإنترنت، إلا أن هناك دلائل تشير إلى أن القراء عبر الإنترنت يمكن أن يفضلوا أيضًا المحتوى الطويل في بعض الحالات. تظهر الدراسات أن المحتوى الطويل يمكن أن يكون أكثر فعالية في جذب التفاعل والروابط الخلفية، مما يعزز من فعالية تحسين محركات البحث (SEO).

وفقًا لإحصائيات من MarketSplash، فإن المقالات الطويلة (3000-10000 كلمة) تحصل على تفاعل أكثر من المقالات القصيرة. هذه المقالات تتلقى 77.2% روابط خارجية أكثر مقارنة بالمقالات القصيرة، مما يجعلها أكثر قابلية للمشاركة ويزيد من قيمتها المعلوماتية【11†sou​ (MarketSplash)

​إضافة إلى ذلك، تظهر بيانات من Luisa Zhou أن 75% من القراء يفضلون المدونات التي تحتوي على أقل من 1000 كلمة، ولكن المدونات الطويلة تحصل على نتائج أفضل من حيث تحسين محركات البحث وجذب القراء المتعمقين. تشير الأبحاث إلى أن المشاركات الطويلة يمكن أن تجذب حركة مرور أعلى، وتحسن من مشاركة المستخدمين، وتحقق نتائج أفضل من حيث الترتيب في محركات البحث【12†sou​ (Luisa Zhou)​ 

آراء مختلفة حول العالم

عند الحديث عن آراء الكتاب المشاهير حول هذه الظاهرة والفوارق بين قارئ النت وقارئ الكتب التقليدي، نجد أن هناك تباينًا كبيرًا في الرؤى.

الكاتب البريطاني نيكولاس كار، في كتابه “The Shallows”، يشير إلى أن الإنترنت يغير طريقة تفكيرنا ويقلل من قدرتنا على التركيز العميق.

من ناحية أخرى، يرى الكاتب العربي يونس بن عمارة أن الإنترنت قد منحنا قدرة غير مسبوقة للوصول إلى كم هائل من المعلومات، ولكنه يحذر من التشتت ويؤكد على ضرورة إيجاد توازن بين الاستفادة من هذه الميزة والحفاظ على عمق القراءة التقليدية.

الكاتبة الأمريكية ماريا بوبوفا، مؤلفة مدونة “Brain Pickings”، تؤكد أن الكتابة للعالم الرقمي تتطلب تكييفًا ذكيًا للمحتوى بحيث يكون جذابًا وسهل القراءة، مع الحفاظ على الجودة والعمق في الطرح. هذه الآراء تعكس فهمًا عميقًا للتحديات والفرص التي تتيحها الوسائط الرقمية الحديثة، وتبرز الحاجة إلى تطوير مهارات جديدة في الكتابة تتناسب مع تطلعات الجمهور المعاصر.

إحصائيات إضافية

  • دراسة من Content Marketing Institute: تشير الإحصائيات إلى أن المقالات الطويلة تحصل على معدل تفاعل أعلى بنسبة 56% مقارنة بالمقالات القصيرة​ (Ahrefs)​​ (SEOwind)​.
  • دراسة من HubSpot: المقالات التي تتجاوز 2500 كلمة تتلقى ثلاثة أضعاف المشاركات على وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بالمقالات القصيرة​ (Wholesome Commerce)​.

أمثلة واقعية

  • BuzzFeed: استخدامهم للمقالات الطويلة في قصص الإنسان والموضوعات الاجتماعية والتي تجذب ملايين القراء وتحقق تفاعلاً كبيراً【3​ (DemandSage)​
  • HubSpot: تطبيقهم لاستراتيجيات المحتوى الطويل لتحسين تصنيف محركات البحث وزيادة التفاعل【3​ (SEOwind)​

نصائح عملية

  • استخدم عناوين فرعية: لجعل المحتوى الطويل أكثر قابلية للقراءة، يمكن استخدام العناوين الفرعية لتقسيم النص【3​ (Wholesome Commerce)​- أضف صورًا ومقاطع فيديو: لتعزيز المشاركة وتقليل التشتت، يمكن استخدام الصور والفيديوهات ضمن المحتوى【35​ (DemandSage)​

مقارنات ودراسات

  • Backlinko: مقارنة بين تأثير المقالات القصيرة والطويلة على تحسين محركات البحث (SEO) والتي تشير إلى أن المقالات الطويلة تجذب عددًا أكبر من الروابط الخلفية بنسبة 77% مقارنة بالمقالات القصيرة【33†​ (Ahrefs)​​ (SEOwind)​
  • Medium: دراسة حول مدة بقاء القراء على المقالات القصيرة والطويلة، حيث تشير النتائج إلى أن القراء يميلون لقضاء وقت أطول على المقالات الطويلة【35†​ (DemandSage)

مستقبل القراءة

  • Forbes: مقال يتناول تأثير التكنولوجيا المستقبلية على عادات القراءة وكيفية تطوير الأجهزة والبرمجيات لتلبية احتياجات القراء الجدد【35†​ (DemandSage)​
  • Wired: دراسة حول كيفية تطور الأجهزة والبرمجيات لتلبية احتياجات القراء الجدد وتقديم تجربة قراءة مخصصة【35†​ (DemandSage)​

خاتمة

في النهاية، يبقى الفرق بين قارئ النت وقارئ الكتب واضحًا في أسلوب القراءة والتركيز. إلا أن كلا النوعين من القراء يمكنهما التعلم من بعضهما البعض. قد يستفيد قارئ النت من تخصيص وقت للقراءة العميقة والتركيز، بينما يمكن لقارئ الكتب أن يستفيد من السرعة والتنوع في المصادر المتاحة على الإنترنت. المهم هو أن نجد توازنًا بين الاثنين، يجمع بين سرعة الوصول إلى المعلومات وعمق فهمها واستيعابها.

النقاش مع يونس عمارة كان ثريًا وأضاء على جوانب مهمة في كيفية تطور عادات القراءة لدينا، وكيف يمكن لكل منا أن يحسن من تجربته القرائية بالاستفادة من ميزات كلا العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واكب الحدث

سجل بريدك الإلكتروني لتصلك أحدث المواضيع المتنوعة والمفيدة من خلال البريد الإلكتروني.

انضم مع 3٬901 مشترك
تواصل معي
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلا وسهلا وحياك الله
كيف أقدر أساعدك؟